فيلم ” البحث عن السلطة المفقودة ” بين البعد التراجيدي والطابع الشاعري
فاس // صوت فاس البديل
محمد عادل البوعناني
ليس شريط ” البحث عن السلطة المفقودة ” فيلما عاديا يمكن إضافته إلى الربرتوار السينمائي المغربي على سبيل المراكمة ، بل إنه شريط يؤكد تميزه منذ اللقطة الأولى بطرحه موضوعا خصبا غير مطروق في السينما المغربية والسينما العربية بوجه عام ، إنه موضوع السلطة الشائخة التي تجد نفسها في نهاية المشوار ومع بروز أحداث مأساوية في سياق الربيع العربي مهددة بالانقراض . بكل ما يعنيه ذلك من معاناة يجتمع فيها ما هو شخصي وما هو عام، ما هو سياسي وما هو عاطفي، في زمن سقوط الديكتاتوريات وانهيار الأنظمة الغاشمة وانتفاض الشعوب المغلوبة على أمرها. لكن الفيلم لا يطرح هذه القضايا المصيرية بشكل مباشر ومكشوف بل إنه يعالجها بطريقة ضمنية من خلال علاقة خاصة تنشأ بمحض الصدفة بين جنرال على وشك التقاعد ( عز العرب الكغاط) ومغنية كاباريه جميلة تدعى إلهام (نفيسة بنشهيدة) . يحدث ذلك حين تأتي هذه الأخيرة لتقطن برفقة أمها وأختيها في فيلا مقابلة لفيلا الجنرال ، وبما أنها معتادة على أن تغني في شرفة منزلها فإن الجنرال سيصاب بصوتها أولا قبل أن يفتن بجمالها ، وسيدفعه اهتمامه بها وملاحظة خروجها في كل مساء إلى مكان مجهول إلى اقتفاء أثرها بصحبة صديقه الكولونيل ( محمد بوصبع) ليكتشف أنها مغنية كاباريه ، وبعد لقاءات متعددة في منزله سيطلب يدها ليبدأ حياة جديدة مختلفة تماما عن الحياة التي اعتادها حتى الآن حيث كان يقضي أيامه بين التريض والسباحة وممارسة هواية صيد الأسماك وقراءة ثلاثية مارسيل بروست ” البحث عن الزمن الضائع” والتنعم بالهدوء المطلق .صحيح أن الرجل متفتح وحداثي في سلوكه ومقبل على الحياة ، لكن شروط الحياة الزوجية تقتضي كما سيبدو فيما بعد أن يبرهن الرجل المتشبث بذكورته ، خصوصا وأنه عسكري خاض حروبا كثيرة ولديه سمعة خاصة، عن قدرته على الإمساك بزمام الأمور، ولذلك سيطالبها بالتخلي عن الغناء وملازمة البيت.وهنا سيأخذ الفيلم وجهة أخرى وستتحول حياة البطلين معا إلى جحيم يومي ينتصر فيه الألم على السعادة. لكن إلهام زوجته ليست امرأة كسائر النساء وهي أيضا ابنة جندي توفي في حرب الجولان ، لديها شخصية قوية ومستعدة للدفاع عن كبريائها بكل ما أوتيت من قدرة حتى لو كلفها ذلك تدمير الذات بإدمان الشرب والتدخين والذهاب في غيابه للغناء ، فهي تعتبر نفسها فنانة وليست مغنية فاجرة ولو أنها تغني لرواد الكاباريه . هذه الحرب الداخلية يصورها الفيلم عبر مراحل يتداخل فيها الخاص والعام في فضاءات متعددة ومن خلال زمنين : ما قبل الزواج وما بعده ، في المرحلة الأولى يكون الجنرال يعيش حياة هادئة تحت رعاية خادمة توفر له كل شيء ( لبنى مستور) ومجموعة من الجنود الأوفياء ، وفي المرحلة الثانية يتحول البيت إلى خلية نحل خصوصا بعد أن تستدعي إلهام أمها وأختيها للعيش معها في المنزل من أجل مؤانستها والتغلب على وحدتها في غياب زوجها الذي لا يكف عن السفر في مهام خاصة . وبين هذين الزمن يحتل التلفزيون موقعا أساسيا في الفيلم بما يبثه من صور مأساوية تبدأ بشنق صدام حسين وتنتهي بملحمة النزوح السوري مرورا بانتفاضة التونسيين وقتل القذافي وبعض الانقلابات العسكرية الإفريقية ، وكلها أحداث تترك أثرا عميقا في نفسية الجنرال الذي يتتبعها يوميا عبر القنوات التلفزيونية ، وهي محبوكة في السيناريو ( عزيز الحاكم وعهد بنسودة ) بشكل يجعلها جزءا لا يتجزأ من حياة البطل الذاتية والموضوعية وعنصرا فاعلا في مجرى الأحداث على امتداد 12 سنة من 2003 إلى 2014 ، فهي بمثابة حياة موازية لحياة الجنرال الزوجية والمهنية . ورغم أن الفيلم يعالج موضوعا إشكاليا في غاية الخطورة يتمثل في استحالة تعايش السلطة والفن والذكورة المفرطة والأنوثة المتحررة في زمن الحروب ونهاية الطغاة وقوارب الهجرة القاتلة إلا أنه لا يسقط في السوداوية ولا ينحاز إلى أي جانب من الجانبين مع الإشارة إلى الهشاشة الكامنة في كليهما معا ، بمعنى أنه لا يتناول هذه الطيمات من زاوية ثنائية الخير والشر، لأنه يعرف كيف يوفق بين البعد التراجيدي والطابع الشاعري بكيفية ذكية توظف مجموعة من العناصر الجمالية كعلامات أيقونية بصرية تدفع المشاهد إلى التفكير وتساعده على إدراك مقاصد السيناريو والإخراج ،فالمشاهد موصولة بلقطات خاطفة لتمثال النسر وأكسسوار الكرة الأرضية الدائرة كرمزين من رموز النازية تذكرنا بفيلم الديكتاتور لتشارلي تشابلن وبرقعة الشطرنج التي ترمز إلى ساحة الحرب ، والمشاهد القاتمة في الفيلم سرعان ما تحل محلها مشاهد ناصعة من الفرح والتسلية والمتعة مصورة تحت إضاءة شفافة تفعل فعلها في مشاعر المتفرج وتحمله إلى عوالم الحلم والتخيل ،واللقطات مأخوذة (مدير التصوير عادل أيوب) من عدة زوايا بأحجام مختلفة عامة ومتوسطة ومكبرة وغاطسة تبعا للمعنى المراد توصيله وللأثر النفسي المبتغى ، كما أن الأغاني المدرجة في الفيلم لكل من فيروز وميادة الحناوي وإديث بياف وجاك بريل ونعيمة سميح وجورج موستاكي والمؤداة من طرف سناء مرحاتي تحرك الحواس كلها وتخلق نوعا من الاندماج بالصور والشخصيات والأماكن،وهذا عامل نفسي ضروري في السينما وعنصر أساسي من عناصر الكاتارسيس التي يقوم عليها الفن . بكل هذه المكونات التيماتيكية والشكلية ” يقيم المخرج مواجهة فنية بين ممثل وممثلة استطاعا بقوة أدائهما، وانغماسهما حسيا وحركيا وروحيا في الشخصيات المنوطة بهما، أن يقدما فرجة هادئة تنبني على التعمق في الحالات النفسية للشخوص المنعزلين، والتحكم في وضعيات الحيرة التي تنتابهما تجاه بعضهما البعض : مسألة العلاقة بالآخر، المصير المشترك، الخوف والتوجس ” كما يقول الناقد السينمائي محمد شويكة الذي يشبه الفيلم ببعض التجارب السينمائية العالمية لكبار المخرجين من أمثال ألفريد هيتشكوك وستانلي كوبريك ورومان بولانسكي ورايدلي سكوت ،،، ويمكن أن نضيف إلى ذلك بصمات سينمائيين مبدعين آخرين كفيليني وأنطونيوني و فاسبيندرالتي يعكسها هذا الفيلم الذي يجمع بين المدرسة الألمانية ممثلة في السيناريست عزيز الحاكم خريج مدرسة الأندية السينمائية والمدرسة الأمريكية الفرنسية ممثلة في المخرج عهد بنسودة تلميذ المخرج الكبير كلود لولوش ، وبين الجهد الاستثنائي الذي أبان عنه ممثل هرم اسمه عز العرب الكغاط وممثلة متألقة اسمها نفيسة بنشهيدة ( رومي شنايدرالمغربية) وكل الفريق العامل في الفيلم من سائر الممثلين والتقنيين تحت إدارة المنتج الشاب محمد الكغاط خريج المعهد العالي للدراسات الاقتصادية والتجارية بباريس الذي يعبر اسم شركته ” نيو جينيرايشن بكترز = صور الجيل الجديد ” بالفعل عن مطامحه الإنتاجية المتجددة .
-شارك الفيلم في عدة مهرجانات منها :
1/ الدورة 25 من مهرجان وغادوغو للسينما والتلفزيون ببوركينا فاصو من 25 فبراير إلى 4 مارس 2017 .
2/ الدورة 18 للمهرجان الوطني للفيلم من 3 إلى 11 مارس 2017 .
3/ الدورة 6 لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية من 16 إلى 22 مارس 2017 .