فـاس بين الأمس واليوم
فاس / صوت فاس البديل
خالد فنونو
فـاس بين الأمس واليوم
إن الحديث عن قطـاع السياحة بالمغرب يجرنا للحديث عن المدن العتيقة التي تعتبر محورا أساسيا داخل المنظومة السياحية الوطنية. وإدا أخدنا فـاس كنموذج حي على اعتبار أنها من أقدم هاته المدن، فقد نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا، من أين نبدأ وأين ننتهي. فقد استطاعت هاته المدينة عبر العصور أن تحافظ على طابعها الأصيل المتجدر في تراثنا المغربي وهي بكل تأكيد تفرض على زوارها وبدون استثناء سحرها الأخاذ والمتمثل في جمـال هندسة دورها التي تعكس الطابع الأندلسي العريق، وأما تعقيد أزقتها الملتوية، والتي لا تكاد أن تنتهي، فهي تبهـر كل من يريد أن يغوص في تراثها المتأصل داخل النسيج الثقـافي المغربي. ففـاس ملتقى الحضـارات وساهمت عبر تاريخها و بشكل كبير في إغناء الموروث الثقافي الوطني وملجئا لمن لاملجأ له. فالأندلسيون مسلمين ويهود نزحوا إليها فاحتضنتهم ووفرت لهم سبل العيش ألكريم بل أصبحوا أسياد التجارة والحرف الدقيقة التي ازدهرت بها المدينة عبر العصور. كذلك بالنسبة للقيروانيين الذين وفرت لهم الأمن والأمان فهي بحق أرض التسامح والتعايش بامتياز ، وصرحا علميا ساهم في اشعاعها وطنيا وقاريا ودوليا بوجود أقدم جامعة في العالم ألا وهي جامعة القرويين التي أسست على يد فاطمة الفهرية سنة 859 م. لكن وللأسف ألشديد ما أن تذكر مدينة فـاس اليوم، إلا ويتبادر إلى الذهن صورة نمطية لا علاقة لها بكل ما هو جميل طبعها بالأمس، بل اعتداء وعنف جسدي ولفظي بشكل يومي يعاني منه مواطنون أبرياء. اضافة لكل هذا وذاك وكمهني من داخل قطـاع السياحة أصبحنا نلمس مجموعة من الظواهر والسلوكيات التي تضايق الزائر والمواطن الفاسي على حد سواء، فالمدينة وعبر العصور كانت ولا تزال تعتمد على البغال والحمير كوسيلة لنقل البضائع بل ويتعدى الأمر ذلك عندما يتعلق بمسن أو مريض يصعب على سيارة الاسعاف الدخول إلىتلك الدروب الضيقة،
حيث تصبح الدواب الوسيلة الناجعة للقيام بتلك المهام. لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت تعرف نوعا دخيلا من وسائل النقل من عربات يدوية وأخرى تكسر الهدوء بصوتها المزعج ودخانها الكثيف الذي يسبب تلوثا بيئيا والتي يطلق عليها ( الدانبيرا ) فهي تستعمل بشكل كبير من طرف شركات الترميم، أيضا هناك التنامي الملحوظ لاستخدام الدراجات النارية مما يشكل خطرا كبيرا على الأطفال والمسنين، وفي العديد من المرات لا يسعك سوى القفز يمينا أو شمالا فاسحا المجال لهذا المواطن الذي يمتطي دراجته بأحد الأزقة الضيقة غير آبه بمن حوله ويمر أمامك بسرعة جنونية لا تجد معها رادارا يعطيك سرعته المفرطة أو تجد قانون من قوانين المدونة يحميك من تهور هؤلاء. ومن جهة أخرى، لا أعرف كيف تتوالد تلك الأكياس من الرمل والأحجار والتي تجمع من حولها الأزبال والقاذورات فقد أصبحت تؤثث فضاء مجموعة من الأزقة رغم محاولة المجالس البلدية المتعاقبة القضاء على الظاهرة، وهي نتاج تساهل السلطات المحلية مع من يقومون ببعض الترميمات ولا يتحملون المسؤولية في اخراج هاته الأكياس خارج المدينة العتيقة لأماكن مخصصة لرمي هذا النوع من النفايات. ومن جهة أخرى، لا تتعجب إدا اكتشفت وبالصدفة أن عددا لا بأس به من المواطنين لا يعرف القيمة التاريخية لمجموعة من الآثار ، فلا يمكنك إلا أن تقف مذهولا أمام مشهدين: المشهد الأول بطله مواطن يقوم بالتبول على سور من أسوار المدينة العتيقة غير آبه بالدلالة التاريخية والرمزية للمكان، ومن الجانب الآخر من المشهد سائحا أجنبيا يأخذ مجموعة من الصور لهدا السور العتيق كجزء من تاريخ هاته الآمة وهذا يعطي صورة قاتمة على ما وصلنا إليه من اللامبالاة وعدم ألمسؤولية وتراجع مجموعة من القيم داخل المجتمع المغربي. فاسحة المجال لبروز سلوكات لا حضارية كهاته.