جمعية سايكولوجيا للخدمات النفسية تناقش واقع علم النفس بالمغرب
فاس // صوت فاس البديل / محمد عادل البوعناني.
إحتضنت مؤخرا القاعة الكبرى للمديرية الجهوية لوزارة الثقافة بمدينة فاس، فعاليات الندوة العلمية السيكولوجية الموسومة ب “علم النفس بالمغرب، الإكراهات والتحديات” والتي نظمتها جمعية سايكولوجيا للخدمات النفسية بفاس احتفالا بمرور سنة على تاريخ تأسيسها، ومناسبة لربط جسور التواصل بين منخرطي ومنخرطات الجمعية التي أسسها ثلة من الطالبات والطلبة وخريجي شعبة علم النفس بفاس الغيورين على هذا التخصص المجتمعي المتميز، والذي وبالرغم من حاجة كل فئات المجتمع ومؤسسات الدولة إليه فإنه كان ولازال يعاني في صمت. وقد عرفت الندوة ، حضور عدد هائل من طلبة وباحثين وأساتذة ومهتمين بعلم النفس، فضلا عن باقي التخصصات المجاورة، وبعض الشخصيات والهيئات المدنية الصديقة للجمعية المنظمة للندوة.وقد أشرف على تأطير الندوة كل من الأستاذ الدكتور اسماعيل علوي، أستاذ علم النفس الإكلينيكي، ومنسق شعبة علم النفس، وعضو مختبر العلوم المعرفية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، إلى جانب الأستاذ محمد ناصيري الطالب الباحث في علم النفس العصبي المعرفي، والكاتب العام لجمعية سايكولوجيا للخدمات النفسية. بحيث استهل اللقاء بكلمة ترحيبية بالحضور وعرض لأرضية الندوة وعلاقتها بأهداف وأنشطة الجمعية قدمها مسير الندوة ورئيس الجمعية، الأستاذ أيوب اهريوش، بعدها تفضل الدكتور اسماعيل علوي بتقديم مداخلة مفصلة حول واقع البحث والممارسة السيكولوجية بالمغرب بين الإكراهات والتحديات، حيث عاد الدكتور إلى استحضار التاريخ والبدايات الأولى للممارسة السيكولوجية بالمغرب، والوسائل التي كانت تعتمدها أنذاك، حيث كان الطابع الديني وطقوس الشعودة والغيبيات هي السمات الأساسية لهذا التعاطي مع الصحة النفسية، ثم التحولات التي عرفتها هذه الممارسة والتي لم تستطع أن تتلاءم مع متطلبات الأعداد المتزايدة من المرضى النفسيين، سواء على مستوى المراكز والأليات، أو على مستوى الأطر والأخصائيين المؤهلين، لينتقل إلى الحديث عن الخدمات التي يمكن للنفساني القيام بها في جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، في جميع المجالات (الصحة، التعليم، الشغل…)، والحاجة المجتمعية التي تتزايد وتتطلب مثل هذه الخدمات، و أشار الىأن هناك عددا من المتطفلين على الميدان الذين لا تتوفر فيهم أدنى شروط الأهلية، والذين يستغلون هذه الحاجة المتزايدة ليقدموا خدمات فاقدة للشروط الضرورية للممارسة السيكولوجية بمعناها الحقيقي، ولم ينسى الدكتور التطرق للإكراهات القانونية والتشريعية المرتبطة بالميدان، والتي تتجسد في غياب قانون تنظيمي للمارسة يعطي للأخصائي النفسي الحق في ممارسة أدواره الطلائعية، والإجحاف الذي يحمله القانون رقم 58 الصادر في 30 أبريل 1998 في حق الأخصائي النفسي، إذ يعطي كل الصلاحيات العلمية والقانونية للطبيب النفسي، كما يقتصر على الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المصابين بها، ويقصي الصحة النفسية كلية من دائرة اختصاص السيكولوجيا، كما يظل بعيدا كل البعد عن التطورات التي عرفتها التصنيفات الجديدة للاضطرابات العقلية والنفسية. وبالتالي فإن هذا الواقع يشير الدكتور علوي يطرح على المهتم بعلم النفس إشكالات وتحديات عديدة عليه أن يعمل على الكشف عنها ودراستها، والنضال في سبيل تحقيقها والإجابة عنها حتى تصبح مكانة الأخصائي والباحث الأكاديمي في مجال علم النفس بالمغرب، مكانة تضاهي باقي الدول المتقدمة وحتى الجارة التي خطت خطوات مهمة في مجال مأسسة الممارسة السيكولوجية. كما طرح المتدخل مجموعة من النقاط الحساسة المرتبطة بموضوع الندوة بشكل عام.وفي المداخلة الثانية المعنونة ب “نحن وعلم النفس” انطلق الأستاذ محمد ناصيري من قولة للدكتور بنعيسى زغبوش مفادها أن علم النفس يتواجد أينما تواجد الإنسان، ثم قارن بين حجم هذا التواجد في المغرب ودول أخرى يعرف فيها علم النفس تقدما يواكب مسارات التنمية التي يعيشها الإنسان في شتى المجالات، ويجيب فيها عن جل الإشكالات المجتمعية الراهنة. كما أشار الأستاذ أن علاقتنا بهذا العلم تبدو غنية بالظواهر والمفارقات من جهة، وفقيرة من الفوائد والإخصاب من جهة أخرى، الشيء الذي نتجت عنه وضعية يتضارب فيها الفهم والجهل، الإهتمام والإقصاء، الإعتراف والتجاهل. وعمل على توضيح مختلف العوامل التاريخية والثقافية والقانونية المتدخلة في هذه الوضعية التي تعيشها السيكولوجيا عندنا، ثم أبرز مظاهرها وجوانب وجودها. كما عرض لبعض القضايا الحساسة والراهنة التي يعيشها المجتمع المغربي والتي تتطلب إشراك المختصين في علم النفس لتدارسها والبحث عن إيجاد حلول لها (الإنتحار، التطرف، الإرهاب، الجنوح…) مما يقتضي وجود إرادة حقيقية للدولة لتبني سياسة واضحة المعالم بهذا الخصوص، إذا ما هي أرادت الحد من مجموعة من الظواهر التي لازالت تشكل عوائق في سبيل التنمية الحقيقية المنشودة. ليختم مداخلته بالدعوة إلى ضرورة تكثيف الجهود من أجل تصحيح الوضعية الراهنة التي تعيشها السيكولوجيا على جميع المستويات، ولتوفير الشروط اللازمة للانخراط بالقول والفعل في ممارسة سيكولوجية هادفة على المستوى المحلي، قوامها خدمة قضايا الإنسان ورهانات المجتمع الكبرى. وهذا لن يتأتى إلا من خلال فتح أفاق رحبة أمام الطلبة والباحثين والمهتمين بعلم النفس من أجل الاستمرار والعطاء العلمي الهادف. بعد ذلك فتح باب النقاش والتفاعل في وجه الحضور، حيث قدمت نقاط مهمة تتقاطع مع موضوع الندوة، ومع ما تم التطرق إليه في المداخلتين المركزيتين، والتحديات المطروحة أمام دارسيه وممارسيه، وعبرت عن رغبة أكيدة في الانخراط في تعميق النقاشات لتشخيص الوضعية وإعداد سبل ووسائل في سبيل المساهمة في التخفيف من حدتها.واختتم هذا اللقاء السيكولوجي المميز بأجواء ممتعة ومفيدة، مع لحظة تكريم الدكتور اسماعيل علوي من طرف جمعية سايكولوجيا للخدمات النفسية، على الجهود التي يبذلها على جميع الأصعدة وعلى الدعم والمساندة التي يوفرها للجمعية، حيث تفضل الدكتور رشيد الناجي ، بتقديم التذكار والشهادةالتقديريةلزميله في شعبة علم النفس الدكتورإسماعيل علوي.