جولة سياحية لاهم المواقع التاريخية في العاصمة الفيدرالية برلين.. كانت ختام المسك لزيارة الوفد المغربي.
برلين/المانيا/صوت فاس البديل //ادريس العادل
العود والعود احمد ، للحديث عن تلك الزيارة التي قام بها الوفد المغربي للعاصمة الفيدرالية برلين،في إطار برنامج العمل الذي رتبت له ونظمته مؤسسة فريدريش نومان من اجل الحرية، بتنسيق مع مركز حقوق الناس المغرب ،والتي دارت محاورها حول موضوع حقوق الانسان في نظام السجون الالمانية،وخلالها ،للتذكير، تبادلت الاطراف وجهات النظر ،وتقاسم التجارب الألمانية والمغربية ،في هذا الموضوع ، وقد ترك الوفد المغربي انطباعا جيدا لدى المسؤولين عن المؤسسة، نظرا للمشاركات الوازنة ، والتجارب الرائدة للمملكة المغربية في مجال حقوق الانسان داخل السجون ،والتطور الحاصل داخلها كمؤسسات لإعادة إدماج السجناء ، وتاهيلهم الجيد داخل المسار الحياتي ليصبحوا طاقات متجددة، ومنتجة.
زيارة ،كانت ايضا، مناسبة للوقوف على اهم المعالم التاريخية التي بصمت تاريخ المانيا قبل الوحدة، وزمن النازية، وما اثار انتباهنا جميعا، هو ان الالمان جسدوا محنهم التي مروا منها ،وما ادراك ما المحن، جسدوها كتراث مادي لن يزول وليبقى عبرة لكل الاجيال ،وتبقى ايضا ، دروسا لمن لم يعش تلك المحن ، وللتاكيد على أن ثمن الحرية اغلى من الحياة ،وشعوب بلا تاريخ كاجساد بدون حياة.
انها دروس عشنا فصولها بالرغم من قصر المدة التي زرنا فيها برلين(ثمانية أيام)،وبرلين هي رمز للتاريخ الالماني لانها عاشت كل تلك المحن ،بحكم موقعها ،شمال شرق البلاد وحدودها مع الاتحاد السوفياتي (سابقا) ،ومحن النظام الشيوعي الذي شيد سورا فاصلا بين شرق وغرب المانيا، وتفتت المانيا الى شرقية وغربية ،كلها دروس عانى منها الالمان في ذلك الزمن الرهيب والمخيف فلا حرية ولا ديمقراطية بل مصادرة كل شيء ،فلا كلام الا للحاكم المستبد افكارا وسلوكا….وما تعيشه المانيا اليوم من رغد في الحياة ، اوجدته المحن والمعاناة القاسية التي عاشها مواطنون كانوا ضحايا ، ولينعم الجيل الحالي بالحرية والمساواة والديمقراطية، وليعيش هو ايضا تلك المعاناة من خلال تجسيد تلك الماسي في اقسى صورها : سجون رهيبة اصبحت مزارات،ساحات للتعذيب الهمجي والوحشي ،سجن تحول الى حديقة رائعة وسط برلين تحفها اسوار حين تدخلها ، ينقطع صخب محركات المركبات، والترامواي ،والحافلات والقطارات التي تقطع بك مسافات طويلة ويكفي ان تحجز تذكرتك و تستقل الحافلة او القطار او الترامواي بثمن معقول على مدى ساعات في اليوم ،وهو ما جربناه مع المترجمين رشيد المغربي ، وعلاء المصري، واللذان كانا معا نعم الاخ والصديق ،وحدثانا على الكثير من مجريات الحياة اليومية في برلين على وجه الخصوص.
تلكم الحديقة التي صارت،بعد ان كانت سجنا ،حين ولجناها مع المرشد السياحي ، والذي وضعته مؤسسة فريدريش نومان رهن اشارتنا، والذي كان يتحدث بالانجليزية ، وقد افادتنا الترجمة الفورية في الفهم السريع لكل ما يسرده المرشد الذي تم اختياره بعناية لهذه المهمة ، حيث احسسنا بتمكنه التام من تاريخ تلك الاماكن التاريخية وهو يتحدث عنها بافاضة.
حين دخولنا لهذه الحديقة التي تمتاز بخضرة ارضها ، وعلى جوانبها بعض الاشجار ، تحيط بها دور سكنية ،لا تسمع فيها ضجيجا ,بل سكون مميز ، تخترقه اصوات من بين جدران صغيرة تذكرك بصراحه السجناء الذين قضوا عقوبات بذلك المعتقل الرهيب ،حسب وصف المرشد السياحي، والذي شهد قتل المقاومين للنظام النازي قبل اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية بسنة تقريبا ، هذا السجن ايضا يجسد معاناة مناهضي النازية،وعلى جزء منه ،تبت قصيدة شعرية تؤرخ لهذه المعاناة القاسية، بعد فشل محاولة قتل ادولف هتلر زعيم النازية ،وصاحب كتاب كفاحي..وقد تم هدم هذا السجن بعد نهاية الحرب الكونية الثانية….
بعد ذلك اتجهنا،عبر الحافلة الأنيقة بساءىقها،المهذب،والتي خصصها لنا المنظمون ،لهذه الجولة السياحية،الى ميدان بوتسدام،حيث توجد القبة المعدنية والمركز الضخم للتسوق ، والمعبد اليهودي.
ومن المؤثر ايضا في هذه الزيارة، هو الساحة الكبرى التي تم فيها احراق ما يزيد عن 20.000كتاب خلال شهر ماي 1933، على عهد النظام النازي،وهي الساحة التي توجد بمحاذاة كلية الحقوق في العاصمة برلين ،وعلى بعد امتار اقيم نصب ضخم، قبل مائة سنة زمن الفيلسوف الالماني هيجل، وهو عبارة عن فرسان يحملون السلاح كمقاتلين ،وهو ما يجسد ابداع الفنانين الذين تحصوها تماثيل تسلب الانظار، وغير بعيد عن هذه الساحة توقفوا في مكان يقع على نهر شبري،يطلق عليه الالمان “جزيرة المتاحف”،هذا المكان يعج بالزوار من مختلف الأعمار ،طيلة اليوم وساعات من الليل.اخذنا صورا تذكارية في هذا المكان الرائع والمخضر ،وانطلقنا نحو جدار برلين ، إذ لا يمكن زيارة المانيا دون التوقف عند متحف جدار برلين،او ما يسميه الغرب “بجدار العار”، والنظر الى حزمة الاسلاك الشائكة ،ورسوم الكرافيتي على الجزء المتبقى منه ، وما يختزله من معاناة وحكايات اليمة ،بعدما تحول من رمز الانقسام الى رمز الوحدة ،ومزارا سياحيا،وميلادا جديدا لالمانيا.
جدار برلين،الذي بني سنة 1961،على مسافة تناهز 100كلمترا،من الخرسانة المسلحة، ويفصل برلين الى شطرين،شرقي وغربي لمدة ناهزت ال28سن،فبالاضافة الى الى الخلفيات السياسية لانشاءه،كان هدفه هو الحد من عمليات الهروب والتسلل من المانيا الشرقية الاشتراكية، إلى ألمانيا الغربية الرأسمالية.
فبعد انتهاء الحرب الكونية الثانية سنة 1949،ولدت المانيا الشرقية والمانيا الغربية ،وقسمت ا برلين اكبر المدن الألمانية إلى أربعة أجزاء بموجب اتفاقية يالطا المعروفة ،والتي كانت ايذانا بانهاء الحرب الثانية.
فالتطور الحاصل في ألمانيا الغربية ،قابله تعسف وظلم وطغيان في الحارة الشرقية ،مما دفع ملايين الأشخاص الى الهجرة نحو المانيا الغربية وبطرق جنونية في كثير من الاحيان، فحفروا الانفاق،وطاروا بالمناطيد اليدوية الصنع، وسبح البعض حتى الغرق للتخلص من الظلم والطغيان، كل ذلك جعل السوفيات وسلطات المانيا الشرقية يبنون جدارا فاصلا للحد من الهروب،وتم انفاق 150 مليون دولار على البناء الذي يضم 300 مركزا للمراقبة ،ة22مخيا،وقطع 100شارع في المدينةو 6 فروع لمترو الانفاق،وعشرات الاحياء السكنية ، وكان ارتفاع وتيرة الهرب سببا في تسديد الحراسة على الجدار،فتم تشييد سياج داخلي ثان ،وتم تكثيف الحراسة على المنطقة الواقعة بين الجدار والسياج على مسافة 100متر من الارض الخالية، سماها الالمان بقطاع الموت،وكانت الحصيلة136قتيلا ،اثناء محاولاتهم التسلل والهروب
ووقفنا كوفد زائر ،على قطع نحاسية دائرية مغروسة في تلك المنطقة تحمل تاريخ واسماء الذين تعرضوا للقتل انذاك، واصبح الجدار،على لسان المرشد السياحي،هاجسا لدى الاطفال الذين اطلقوا عليه الوحش، ومقابل هذه المنطقةتم بناء برج من أربعة طوابق ،مجهز بمصعد وضع رهن إشارة الزوار ليقفوا بانظارهم على الجزء الذي كان يسمى برلين الشرقية، ليعيشوا التاريخ المظلم لهذا البلد،ويتدبروه ويستعيدوا تلك الذكريات الأليمة التي عاشتها المانيا اثناء وبعد الحرب العالمية الثانية ،ومخلفات الحرب الباردة.
وللتاريخ فقد ،فقد كانت سنة 1987، لحظة حاسمة حين القى الرئيس الامريكي رونالد ريغان كلمة عن جدار برلين ،طلب فيها من الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف،الذي اثار انتخابه امينا عاما للحزب الشيوعي ،سخطا عارما لدى دول المعسكر الاشتراكي في اروبا الشرقية،كما كان سقوط الأنظمة الشيوعية في بولونيا،والمجر،وتشيكوسلوفاكيا في الفترة مابين 88و89،حافزا الالمان لتفعيل الحراك الشعبي بين الشطرين نحو الوحدة ،وتزامن ذلك مع إعلان لغونترشابوفسكي،عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الالماني،ومفاده : ان قيود التنقل بين الالمانيين رفعت وهو التصريح الذي أدى إلى حدوث فوضى عارمة على الحدود ، ونقاط العبور،وخرجت تظاهرات تطالب بهدم الجدار وتوحيد البلاد ،وتوجهت حشود من الشرقيين الى الجدار وبدأت في هدمه بادوات بدائية وبسيطة باتت تصطف فوق رفوف متحف جدار برلين لتودع اللاحظات الطويلة من المعاناة،والظلم، والتفرقة، وخرجت ألمانيا الاتحادية من انقاض بقايا الجدار،وبعث الفينيق من جديد ليصبح قوة اقتصادية لها وزنها على المستوى الدولي.
وتخليدا لهذه اللحظات التاريخية المؤثرة ، أنشئت صالة العرض على الجزء الاطول من بقايا الجدار،لتكون مصدر إلهام لابداعات الفنانين،ولعل ابرزما أثار انتباهنا ،وزوار هذه المنطقة المكتظة بالبشر من مختلف الجنسيات،اللوحة المجسم للرسام الروسي دميتري فروبيل التي تحمل عنوان:”قبلة اخوية” يظهر فيها الرئيس الالماني الشرقي ايريك هونيكر وهو يقبل نظيره السوفياتي ليونيد بريجنيف .
رسومات بقيت وستبقى عبرة للاجيال الحالية والقادمة،شاهدة على التاريخ.
وكانت سنة 1991،حاسمة حين انتخب الالمان هيلموت كول كاول مستشار لالمانيا الموحدة وليدها التاريخ من بابه الواسع ،وهاهي ألمانيا الاتحادية تنعم بالحرية والرخاء والطمانينة بعد الظلم والتعيف والطغيان ،……..انه التاريخ ومن لم ياخذ منه العبر لن يستطيع الاقلاع……وصدق الشاعر الشاب الذي قضى يافعا حين قال :
ومن لم يرد تسلق الجبال
….. يعش أبد الدهر بين الحفر صدق ابو القاسم الشابي.
انها مشاهدات تقاسمتها معكم اعزائي واخواني ليشهد التاريخ على هذه الرحلة التي ستبقى محفورة في الذاكرة ولنستقي منها العبر.
ولكم تحياتي،،،وانتظروا ختاما تلك المطاعم التي اختارتها لنا مارتينا حلمي ،الشابة اللطيفة التي سهلت لنا المامورية بشكل كبير ،واحترمت عقيدتنا الاسلامية السمحة حين اختارت لنا مسجدا قريبا من مكان مادبة الغذاء لنؤدي صلاة الجمعة،انها قمة التسامح واحترام العقائد.