انتقل الى عفو الله تعالى الفقيه والشاعر والفنان الموسيقي الفذ المرحوم سيدي الحاج محمد تازي شرتي مصانو ،الذي ترك بصمات كبرى على موسيقى الآلة التي لقنها للاجيال .
فاس // صوت فاس البديل/إدريس العادل
واعترفا بما قدمه المرحوم من اسهامات فنية رائدة ،نظمت مؤخرا جمعية البعث للموسيقى الأندلسية بفاس ،حفلا تابينيا للترحم على الفقيد واستحضار ما قدمه خلال حياته لهذا الفن الرفيع.
ومن الاضاءات التي عرفها هذا الحفل التابيني ،قدم الاستاذ تازي شكيب ابن المرحوم باسم العائلة بكلمة مؤثرة ،ندرجها كاملة لما تحمله من دلالات عميقة .
هذا نصها:
الموت علينا حق..!
بمناسبة الحفل التأبيني الذي نظمته جمعية البعث للموسيقى الأندلسية بفاس للترحم علي روح أبي وشيخي ومعلمي الفقيه الشاعر والفنان الموسيقي الصوفي الفذ الحاج محمد تازي شرتي مصانو طيب الله ثراه، تقدمت، بإسم عائلة الفقيد ، بكلمة تأبينية هذا نصها :
الحمد لله رب العالمين
هل يُعزِّي عن فقد والد قول، وهل ينجع في مرثية والد شعر أو نثر؟! كلا فلا عزاء إلا ما علمنا إياه المولى عز وجل في كتابه: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
ولذلك فإنني سأقتصر فيما دعيت إليه من هذه الكلمة في هذا المحفل الكريم على شكر من تفضل بهذه المبادرة، وكل من أسهم فيها بكلمة أو إشارة أو عبارة من محبي فقيدنا الأغر ومريديه وأصفيائه من أعضاء جمعية البعث الأبرار و باقي الجمعيات والمؤسسات الثقافية التي أخدت مشكورة مبادرات طيبة ومحمودة في هذا الإطار.
وأهم ما يدعوني إلى تقديم هذا الشكر القلبي الخالص ابتداء هو أن هذا المحفل التأبيني مناسبة يُذكر فيها اسم الحاج محمد تازي شرتي مصانو بالخير، ويُدعى له فيه بالرحمة. وهي واجب في عنقي قبل كل أحد، ومن شاركني فيه هو مساعد ومؤازر ومناصر لي في أداء هذا الواجب، فإن الله تعالى يقول: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. وهو شكر تقدم مثلُه لمن قدم مثلَه، وهو كذلك في كتاب الله تعالى فقد أثنى سبحانه على قوم فقال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ .
والأمر الثاني هو شهادة في حق والدي رحمه الله تعالى قد لا يكون أحد أولى مني بتقديمها. وهي شهادة على ما لقنني ولقن سائر إخوتي وأخواتي إياه، كما لقنه لمن تتلمذ على يديه أو أكثر من مخالطته ومعاشرته. وهو الإيمان العميق المجلل بالمحبة العظية لله تعالى ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. المحبة التي تبلغ حدا يستولي ويعمُر وينتشر في كل الأوقات والأقوال والأطوار والأحوال. وهي محبة أعانه رصيده الشعري وذوقه السامي في التوزيع النغمي على التفنن في التعبير عنها. وصب ذلك كله في شعورنا وشعور كل من يخالطه عن غير قصد مبيت ولا تخطيط للخطاب. وإنما هي حالة المحبة التي تُعدي وتَسري وتنتقل من صدر إلى صدر ومن قلب إلى قلب ومن فؤاد إلى فؤاد كما ينتقل الماء إلى وجهته، وكما تنتقل الأنسام والعطور والبخور مع الهواء.
ثم هنالك شهادة أخرى على ما لقنني ولقن إخوتي وعموم تلامذته إياه من كون العلم والأدب والفن هي شواغل سامية لا ينبغي أن تتخذ تجارة تطلب بها الدنيا الفانية. بل علمنا بسلوكه أن كسب العيش يكون في الصناعة وفي التجارة والفلاحة وغيرها من المهن والحرف الشريفة وأن الاكتساب من غير الطريق الفني والأدبي يكسب الفنان والأديب عزة يحافظ بها على كرامة الفن والأدب بحفاظه على كرامة نفسه وهيبة فنه.
وفي إثر ذلك شهادة أخرى فيما تعلمه الحاج محمد تازي مصانو رحمه الله وعلمه من موسيقى الآلة التي كان ولوعه بها واستغراق أوقاته فيها استجابة لداع صوفي وروحي نقله من السماع والمديح في الزاوية إلى ضبط المقامات والموازين، ثم إلى ضبط العروض والقافية، ثم إلى ضبط اللغة والنحو، ثم انتهى به انتهى به المطاف إلى ضبط النوبات بتفصيلاتها، والأشعار ومعانيها واغراضها ومناسباتها.
وبعد أن استوعب ذلك كله بذل جهدا خاصا عبر عقود متوالية في نقل ما تعلمه محافظة على التراث الذي ورثه. ثم جعل ما تعلمه كله مسخرا لأغراض التوسل والتأله والرقائق والمدح النبوي. بل إنني أذكر جيدا أنه ما من صنعة إلا وكان بستحضر فيها المعاني الصوفية التي يعتبرها إشارات كامنة فيها، وما من صنعة إلا وكان يمكنه أن يجعلها مديحا نبويا مع المحافظة على قالبها النغمي شعرا ولحنا، بل أنجز ذلك وأداه فعلا.
ثم أختم بما أوصى الله به إنا لله وإنا إليه راجعون ورحم الله سيدي ومعلمي وشيخي ووالدي الحاج محمد تازي مصانو ووالدتنا الشريفة الحاجة مينة حجيج وأختينا الغاليتين الحاجة ليلى والحاجة فوزية ورحم الله والدينا أجمعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
باسم عائلة المرحوم الحاج محمد تازي مصانو
شكيب تازي مصانو