في ندوة رابطة الصحافيين الرياضيين بشراكة مع مقاطعة المعاريف حول موضوع “الجمعيات الرياضية والالتزام بالقضايا الوطنية”: إ اجماع على أهمية الرياضة في تحقيق الإصلاح المجتمعي وترسيخ الاعتزاز بالقيم الوطنية
الدار البيضاء // صوت فاس البديل.
دعا المشاركون في الندوة الفكرية التي نظمتها الرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين بشراكة مع مجلس مقاطعة المعاريف يوم الجمعة 23 نونبر 2018، حول موضوع “الجمعيات الرياضية والالتزام بالقضايا الوطنية “إلى تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالرياضة، وهي الفصول 31 و26 و33، مشددين على ضرورة أن تكون للرياضة المغربية تمثيلية بالمؤسسات، لأنها حق من أسمى حقوق الإنسان، وأكدوا في الوقت ذاته على أن الرياضة في المغرب ولدت في سياق صدمة الاستعمار، وجاءت في إطار الإصلاح المجتمعي وخلق الوعي الوطني والروح الوطنية لدى المغاربة.
وأكد المتدخلون على ضرورة إخضاع كل رياضي للتكوين والتكوين المستمر ليصل إلى عالم الاحتراف الحقيقي، مشددين على ضرورة أن يتوفر كل ناد على مركز للتكوين في المجالين الإعلامي والثقافي، مشيرين أيضا إلى أن الرياضة المغربية لا تقف على أحد، ولكنها تحتاج إلى رجالات لهم حس وطني لبناء جيل رياضي جديد.
الرياضة ودورها في خدمة القضايا الوطنية
قال عبد اللطيف المتوكل رئيس الرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين، إن حظ الرياضة المغربية التي ولدت في حضن النضال من أجل الاستقلال والذي تزامن مع أكبر محنة عاشها المغرب في العصر الحديث، كان له أثره الذي لا ينمحي على مسار الأندية الرياضية المؤسسة على أرضية نضالية، دفاعا عن الحرية والتحرر من الاستعمار الفرنسي، ليتحول هذا الفعل النضالي للرياضة المغربية بعد الاستقلال إلى فعل نضالي من أجل تثبيت الدولة المغربية الحديثة والمساهمة في بناء الوطن بعمرانه وإنسانه.
وأضاف المتوكل في معرض كلمته، أن الرياضة المغربية، التي شحنها التصدي للمستعمر وتغذت بحب الوطن، كانت دائما في صدارة الصف الوطني من أجل البلد وخدمته، ومزاوجة بين ما هو رياضي محض، وبين الحضور في المناسبات الكبرى تلبية للنداءات المجتمعية .
وأشار المتوكل إلى أن الشخصيات الوطنية كانت ذات توجه سياسي، مثقفة ثقافة مغربية عالية، ولديها حضور وازن في المجال الرياضي، خاصة في كرة القدم التي شكلت القاطرة من بداياتها حتى أن فرقها كانت تمثل للمستعمر الفرنسي ثكنات متنقلة، وأضاف بأن تلك الشخصيات ظلت حاضرة في الشأن الرياضي، رغم انشغالها بالعمل السياسي حكوميا كان أوبرلمانيا أوحزبيا أونقابيا، مما جعل الرياضة المغربية غير بعيدة عن التدبير الشامل لشؤون البلد.
وقال المتوكل بأن الرياضة المغربية وهي تتطلع إلى مستقبل “احترافي”، عليها أن تستعين بالشعلة النضالية المؤسسة، كي تبقى وفية لماضيها وتسهم في تطوير الإنسان المغربي وترفع الراية المغربية عاليا في المحافل الدولية، مؤكدا في ذات الوقت، أنه بدون الالتزام بالقضايا الوطنية أيا كان ترتيبها في سبورة الأولويات التدبيرية فقد تفقد رياضتنا مصدر قوتها وإلهامها.
التقاطع بين ما هو رياضي وما هو وطني
أشاد عبد الصمد حيكر رئيس مجلس مقاطعة المعاريف باتفاقية الشراكة التي تجمع المجلس بالرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين، وقال إن هذه الأخيرة بات لها دور ريادي بطرحها للنقاش مواضيع الساعة، الخاصة بهموم ومشاكل الرياضة المغربية، بهدف تقوية المقاربة التشاركية لتتمخض عنها اقتراحات وتصورات مهمة للنهوض بالرياضة الوطنية، وأضاف “نعتز بعلاقتنا مع الرابطة التي وهي علاقة تتجسد على أرض الواقع في إطار شراكة حقيقية سنة بعد أخرى… الرابطة تتيح لنا فرصة لنتعاطى مع الشأن الرياضي في تقاطعه مع الزاوية الثقافية والإعلامية”.
وأوضح حيكر أن الموضوع المطروح للنقاش خلال هذه الندوة، له أهمية خاصة لكون الجمعيات بمثابة مدارس، وهي واحدة من فضاءات التنشئة الاجتماعية، مؤكدا على أن النقاش مع الجمعيات والفاعلين المدنيين على المستوى الرياضي حول أسس وقيم الهوية الوطنية، يبقى مهما لغرس القيم الوطنية في شبابنا وأطفالنا.
الرياضة ليست مجرد تسلية
قال لحسن لعسيبي الكاتب والصحافي، إن الرياضة المغربية لها سياق وطني نضالي، وبالتالي لا يجب عليها أن تفقد صلتها بجذورها، لكي تستمر في أداء دورها التنويري والتوجيهي والتعليمي والثقافي والترفيهي.
وأضاف المتحدث ذاته أن الرياضة جاءت في إطار سيرورة حركة سياسية شبابية لمحاربة المستعمر، مشيرا إلى أنها في المغرب ولدت في سياق صدمة الاستعمار، وجاءت في إطار إصلاح المجتمع المغربي، لخلق فرد مغربي جديد، مؤكدا على أنها عكست الشرائح الاجتماعية في المجتمع، وأن الرياضة في نهاية المطاف ليست مجرد لعبة، وإنما أداة تربوية بيداغوجية.
وكشف المتدخل ذاته أن تأسيس العصبة الوطنية الحرة لكرة القدم جاءت بقوانين الفيفا، لمناهضة العصبة الفرنسية، لأن المؤسسين من أعضاء الحركة الوطنية أخذوا الموضوع بالجدية اللازمة وأعطوها القوة القانونية، مشيرا إلى أن أعضاء الحركة الوطنية لم يهتموا فقط بكرة القدم بل برياضات متعددة، مذكرا بأسماء بعض المناضلين الذين اهتموا كثيرا بالشأن الرياضي، كالشهيد صدقي الذي اهتم بالمصارعة والشهيد الراشيدي بالجمباز والزرقطوني الذي كان من مؤسسي فرق الأحياء.
وأكد لعسيبي أن الاستعمار قام بجرائم كثيرة في الرياضة، خصوصا في كرة العصا والتي تعد من أقدم الرياضات، والفروسية التي حولها من نوع رياضي إلى “فلكلور”.
وقام لعسيبي في إطار مداخلته بقراءة سوسيولجية لفرق البيضاء، وتحدث عن الوداد الذي يعد أول فريق تأسس بناء على أبعاد وطنية، مشيرا إلى أن الفريق الأحمر هو سليل الطبقة العمالية والطبقة المتنورة للعائلات الأصيلة بالمدينة القديمة، مضيفا أن الرجاء فريق درب السلطان الذي هو مشتل الحرفيين والتجار، وأن الطاس فريق الحي المحمدي المرتبط بالحي الصناعي …، مؤكدا على أن ما تفعله الرياضة في المغرب، من خلال ما يرفع في المدرجات من شعارات في كل المدن المغربية، يعكس سوسيولجية المدن، كما يعكس نوعية المجتمع المتواجد في كل مدينة على حدة.
الديبلوماسية الرياضية
شدد سعيد رزكي الإعلامي والمحاضر في معهد الجزيرة للإعلام، في عرضه حول الدبلوماسية الرياضية والجمعيات الرياضية، على أن الرياضة ليست وسيلة للتسلية والترفيه بل هي أداة لبناء المجتمع، وأضاف أن الإستراتيجية العلمية هي التي تساعد على نجاح المشروع المجتمعي الرياضي، مشيرا إلى أن العديد من الجمعيات الرياضية لم تصل إلى مستوى العمل الاحترافي الرياضي، وقال “نعيش في جلباب الهواية، لأن الاحتراف هو مستوى التفكير العالي الذي ينطلق من الاستراتيجية الرياضية”، وواصل “لو كانت هناك مؤسسات رياضية تبني الفرد داخل الجماعة، سيصل المغرب في العديد من الأنواع الرياضية لمستويات عليا”، وشدد على ضرورة التكوين والتكوين المستمر، وقال “ندرب ولا نكون ولا نطور، وعلينا نسيان التدريب ودخول مجال التكوين والتطوير”، وأضاف “من العار أن تفرز كرة القدم المغربية لاعبين بارزين، وهم لا يتقنون أي لغة أجنبية، أو لا يعرفون تاريخ بلدهم …”، مشيرا إلى أن الرياضي يمارس ديبلوماسية من نوع خاص لا تقل أهمية عن الديبلوماسية بمعناها المتعارف عليه سياسيا، وتابع “نعيش دائما على الظرفية واللحظة، وليس لدينا بعد نظر لبناء جيل رياضي مثقف له مستوى معرفي عالي”.
وأكد رزكي أن الرياضة المغربية لا تقف على أحد ولكن تحتاج إلى رجالات لهم حس وطني لبناء جيل رياضي جديد، داعيا إلى الاستثمار في الفكر والرياضة المجتمعية التي أصبحت من المحركات الاقتصادية في بناء المجتمع، متسائلا “كيف يكون لنا عدد كبير من المناضلين الرياضيين تم لا تكون لدينا رياضة عالية المستوى”.
تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالرياضة
دعا محمد بلماحي رئيس الجامعة الملكية المغربية لسباق الدراجات إلى تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالرياضة وهي الفصول 26 و31 و33، داعيا إلى ضرورة أن تكون للرياضة المغربية تمثيلية بالمؤسسات العمومية، لأنها حق من أسمى حقوق الإنسان حسب قوله، متسائلا لماذا ليست لها تمثيلية في المجلس الأعلى لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس المنافسة، وأضاف “هل فعلنا مضامين الرسالة الملكية، وأين هي توصيات المناظرة الوطنية للرياضة لسنة 2008″، مطالبا البرلمان بتحمل مسؤولياته في مناقشة واقع وأفاق الرياضة المغربية.
كرة القدم المغربية والاستعمار
اغتنم عبد الكريم الزرقطوني رئيس مؤسسة “محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث”، فرصة حضوره للندوة، للمساهمة بمداخلة هامة، أبرز من خلالها أن ممارسة كرة القدم خلال عقود الاستعمار، لم تكن مجرد نزوة عابرة مرتبطة برغبة آنية بانشغالات الشباب، بقدر ما إنها شكلت مدرسة وطنية لتعميم قيم الوعي الوطني المناهض لمشاريع التدجين الاستعماري الرامية إلى ترسيخ التعليم الفرنسي، وهو ما تم التصدي له عبر بناء المدارس الحرة، كما كان رد المغاربة في المجال الرياضي بإنشاء العديد من الفرق الرياضية التي كانت مشتلا للتربية والتكوين والتعبئة .
وأضاف أن الساحة الوطنية عرفت تطورات شاملة في المجال الرياضي نتج عنها ازدهار حركة فرق الأحياء التي أحدثت انقلابا عميقا في الموقف من التعاطي مع الشأن الرياضي، وسبل استثماره في المشاريع المدنية لمجابهة مؤامرات الاحتواء الاستعماري، بحيث إن التأطير الرياضي قام بوظائف حاسمة في تعزيز العمل الوطني، فمنه خرجت العديد من التنظيمات الجماهيرية الوطنية وعبره تبلورت المقاومة المسلحة الثانية عند نهاية أربعينيات وبداية خمسينيات القرن 20 .
واستشهد بعدة أمثلة لفرق الأحياء مستحضرا من خلالها البعد النبيل في العمل المدني المبادر، ومن ضمنها فريق مولودية بوطويل بالمدينة القديمة للدار البيضاء الذي يعود له كل الفضل في تأطير شبيبة المرحلة، وكان آنداك الشهيد محمد الزرقطوني رئيسا مؤسسا له إلى جانب مجموعة من شباب المدينة المفعم بحماس الوطنية، كما تأسست في نفس الفترة (سنة 1948 ) جامعة خاصة بتأطير فرق الأحياء برئاسة محمد عبد السلام بناني، والتي شكلت النواة الصلبة لفرق تنتمي لعدة أحياء تلتقي مع بعضها البعض في دوريات كبرى هدفها الأساسي توحيد الكلمة وجمع الشمل وتغليف المبادرات والتجمعات السياسية بغطاء رياضي تمويهي، والحقيقة أن هذا البعد كان يختزل الأهداف الكبرى من وراء إنشاء هذه الفرق ومن وراء تشجيع الشباب على الانخراط فيها، يقول المتحدث ذاته.
وأكد نجل الشهيد محمد الزرقطوني، أن الرياضة كانت عنوانا للانتماء الوطني، والكل يسعى من خلالها للتعبير عن حبه لبلده عبر التباري الرياضي، ووسيلة لتصريف المواقف الوطنية.